يستغرب الناس أن يكون سقراط آريًا! بعد إدارة هاينريش هيملر لقوات الأمن الخاصة النازية المعروفة بسرب الحماية، عملت وزارة الدعاية الألمانية بالتنسيق مع قيادة السرب على استحداث قراءة جديدة للتاريخ البشري بشكل عام، والأوروبي بشكل خاص، وبعيدا عن وضع ترابتية تفضيلية للأعراق، قدمت المخابر النظرية لسرب الحماية قراءة حديثة للتاريخ الألماني وصار يجري تدريس ضباط القوات مجموعة من المؤلفات الدعائية، حول الأمجاد الألمانية العريقة.
فجأة، تصور هملر أن مجرد التركيز على الأمجاد (الألمانية) لم يكن كافيا لتدعيم نظرية العرق الآري، بل يجب التطرق لأنواع أخرى من الاثباتات، فالنازية لوحدها، كأيديولوجية وطنية، لا تسد الفراغ التاريخي، كما أن البحث في التاريخ عن أمجاد ألمانية حقا، لا تقنع أعضاء قوات سرب الحماية بتفوق العرق الآري بشكل يطغى على بقية الأعارق، وبهذا تحول هملر للبحث عن الآثار.
حين وجد تشكيلا صخريا يعود إلى العصر السكسوني، ما قبل العصور الوسطى، وقبل انتظام العرق الألماني والأمة الألمانية بالشكل المعاصر أصلا، جزمت الفقاعة الدعائية الألمانية بتوليفة مفادها أن هؤلاء القدماء، هم الآريون الذين يمثلون السلف للألمان النازيين، وتفاقم الوضع إلى ما هو أعظم، حتى أعلنت وزارة الدعاية، أن فلاسة اليونان، أرسطو وأفلاطون، وسقراط، وآبيقور، وغيرهم قد كانوا ألمانا آريين من حيث الأصل.

قدمت النازية شروطًا صارمة لإثبات آرية الفرد الألماني، متعلقة بإثبات النسب، وشجرة عائلة ضاربة في القدم تثبت الجذور الألمانية لكل منتسب إلى سرب الحماية، ثم بدأت القوات الخاصة على الفور بحملة (تطهير البلاد من الطفيليين)، وهي عملية تطهير على أساس الوزن والشكل، فاقت أبشع عمليات التطهير العرقي في التاريخ، وقع فيها القضاء على من رأى هتلر أنهم يشكلون ضعفًا تجاه العرق الآري بما لا يتناسب مع احتكار كل المجد الأوروبي القديم، من قادة، وفلاسفة، ومحاربين وكان الدور بعد اليهود، على المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة.
قام التصور الاحتكاري للتاريخ البشري في نظر النازية، على اطراد القاعدة، فلا يمكن أن يؤسس النازيون لتاريخ مجيد بالسطو على منجزات الغير، مع تقديم المواطنة الدائمة لأعراق غير متناسبة مع تلك الأمجاد، ومع كون سرقة الأمجاد والتواريخ لشعوب أخرى كان سمة بارزة على أي تفكير نازي، لتبرير الإمبريالية، والتوسع، كان المشهد سخيفًا للغاية أن يغش بعضهم اليوم على ألمانيا الهتلرية بالشكل الساذج الذي نشاهده، كأن تجد بوقًا دعائيا لإحدى الدول العربية يقول أن أمريكا قد أسسها شعبه، أو أن الأندلس مرتبط من حيث التأسيس باسم عائلته المالكة، وغير هذا من نماذج التقليد الساخر التي تداعب روح الفكاهة في عالم الدعاية.
اترك تعليقاً