في التوقع السياسي، والمسألة الفلسطينية

د

صورة رمزية عن مشروع مارشال

الاقتصاد أشبه بالسياسة، أول درس في إدارة الأعمال، أو المالية، هو أن السوق يخضع لتقلُّب مستمر، تقلبات في الأسعار، مخاطر في السيولة، في سعر الصرف، في التضخم، مخاطر ائتمانيَّة، وغير ذلك، ومن زاوية النظر هذه، طوَّر الاقتصاد تخصصًا عرف بإدارة المخاطر، وقسِّمت إلى قصيرة وطويلة الأمد على حسب.

وعند فشل مشروع، لا يقال (لم نتوقَّع) تقلبًا في السوق! إدارة المخاطر هي وضع إستراتيجية لكل سيناريو محتمل، لحركة مئات العوامل، لأجل إدارتها وتخفيف أثرها على المدى الطويل، أو القصير، ولكل شركة كبرى قسم إدارة مخاطر، يشمل مدراء وأخصائيين، وينفصل عمل هؤلاء عن التأثر بالقسم الاشهاري للشركة حتى لا يقع مدير المخاطر تحت تأثير الدعاية (الاشهار) في سوء تنبؤ لأحد العوامل!

ومع تطور فن إدارة المخاطر، أضحت كل معاني المجازفة، والتهور، من قبيل الاستثمارات العشوائيِّة، وقصيرة النظر، لا يجري تصنيفها علميًا كممارسة اقتصادية، ولا يتم تدريسها إلا كتجارب لاقتصاديين أغفلوا أحد أهم شروط نجاح المشروع من باب التمثيل والاعتبار. وكذلك في جانب السياسة.

المخاطر! وعوامل التوقع
المخاطر! وعوامل التوقع

في سياق الحرب العالمية الثانية، أدَّى مبدأ عدم التوقع إلى خسائر فادحة، ستالين لم يتوقع أن تتعرَّض بلاده لهجوم من ألمانيا، والتي كانت حليفة له وفق معاهدة مولوتوف-ريبنتروب، وأدى هذا إلى إبادة لما يقرب من ٣٠ مليون سوفييتي.

في نفس السياق، لم تتوقع ألمانيا أن يشكِّل أعداؤها حلفًا ضدَّها، وأدى ذلك إلى خسارتها لأكثر من ٥ ملايين من شعبها، وتقسيمها إلى دولتين منفصلتين، شرقًا وغربًا، وفقدان سيادتها الوطنية لعقود دامت ٤٥ عامًا.

حكم التاريخ على الذين لم يحسنوا التوقع بقسوة، وصار شق واسع من فن السياسة قائمًا على مبدأ استشراف المجهول، وأضحى الرأي القائل بأن النظرية تنبثق خلال ساحة المعركة، وهو المذهب الارتجالي، الذي لا يتوقع مسارًا محددًا لأي حركة، مذهبًا رجعيًا، يتنكر لمبدأ التوقع.

image 3
صورة لمزية للاتفاقية: مولوتوف-ريبنتروب

وخلال الحرب العالمية الثانية، وعدت فرنسا الجزائر بالاستقلال في حال ما لو انتصرت مع حلفها على المحور، خرج الجزائريون في مظاهرات يوم ٥ ماي ١٩٤٥ مطالبين بإنفاذ الوعود، فماذا حصل؟ قتلت فرنسا الشعب، واستشهد ما بين ٤٥ ألف إلى ٧٠ ألف جزائري، وبعدها بسنتين طبقت خطة مارشال الأمريكية، والتي موَّلت الاقتصاد الحربي الفرنسي بشكل هائل ضد حركات التحرر، وخصوصا الجزائر، بقيمة ما يعادل اليوم ٣٠ مليار دولار!

ثم يقال على خلفية تاريخ قريب كهذا، لم نتوقع هذا الدعم الغربي لإسرائيل! حفظ عن ابن تيمية شيء في النقاشات العقدية، مسألة ثبوت الشيء في الخارج، كان يرى أنه يكون بإحد ثلاث، ومن بينها ثبوت مثيله، كالبعث، يتصف بإمكان خارجي، لأن نظيره، وهو خلق إنسان عن عدم ثابت، في السياسة يقال نفس الأمر، كل ما ثبت نظيره سلفًا فهو في دائرة الممكن، توقَّعه، ولا تعامله كممتنع!

للإشتراك في النشرة البريدية

نشرة البريد

مدونة للمباحثة والنقد ومراجعة الكتب، أوفر خدمات SEO، وخدمات التدقيق اللغوي والتلخيص والتحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *