في مسألة التطهير الطائفي

د

صورة لشيشانيين أيام التطهير والترحيل القسري في الاتحاد السوفييتي

إعادة إنتاج الأخطاء السياسيَّة أمر كارثي بالنسبة للدول، فمثل تنامي نزعة الاتجاه نحو التطهير على أساس طائفي أو عرقي مع أنه يبدو مسلكا مغازلًا للنفسيَّة الانتقاميَّة، إلا أن التاريخ يثبت فشله في تحقيق الجدوى المرجوَّة، بل هو مما ما يطرح بيئة خصبة لإذكاء روح المقاومة المتطرفة، ما يحوِّل الطموح السلطوي للدولة، إلى كابوس لا يمكن السيطرة عليه على أرضها!

الاتحاد السوفييتي فترة ستالين، تعرَّض لمسألة الشيشان والإنغوش بعقليَّة التطهير والترحيل القسري، ونقل مئات الآلاف منهم إلى كازاخستان وسيبيريا، لسبب تعاونهم مع الألمان، وفعلا قد شكَّل جزء من المسلمين هناك بعد دعاية أمين الحسيني فيلقا مسلمًا في الغوستافو، وزرع التهجير جروحًا تاريخية، تحوَّلت إلى ثورات إنفصاليَّة مسلحة ضد موسكو، وكان ذلك من العوامل التراكمية التي عملت على تغذية الشعور القومي لدى الضحايا، وتوج ذلك أخيرا بالثورة الشيشانية!

image
صورة للشيشان المرحلين قسريًا في الاتحاد السوفييتي

ولم تكن ألمانيا بمعزل عن الأثر العكسي لإجراءات التطهير العرقي، فالحل النهائي، والذي اقتضى تطهير المناطق تحت الحكم الألماني من اليهود، عزل ألمانيا ديبلوماسيا فتوحَّدت القوى العالمية ضدها، وحين كان الغرض من الحل النهائي إنهاء تواجد اليهود أدى ذلك إلى تشكيل ما سمي بالدولة الصهيونية في 1948، وهو ما وقع بعد سقوط ألمانيا بثلاث سنوات.

وليس بنادر أن نجد دراسات أمريكيَّة، وتصريحات ضباط أمريكيين وبريطانيين، حول السياسة التي كانت منتهجة في العراق ومن أبرزها ما أفرز مذبحة الفلوجة، والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين بغرض التطهير على أساس أيديولوجي، والتي كان من نتائجها وفقا لوجهة النظر الأمريكيَّة أن القصف العشوائي، والتسبب بارتفاع عدد الضحايا في الفئات المدنيَّة كان أكثر عامل يذكي الأيدلوجيَّة التي يزعم محاربتها، وبهذا تطورت الحركات المسلحة المناهضة لأمريكا أكثر فأكثر، وتوسعت قاعدتها الشعبية، ومن كان مدنيًا، وفقد أقرباء له بقصف عشوائي، تحول سريعًا إلى عسكري، حتى في أفغانستان، لم يمنع القصف العشوائي على المناطق المدنية للعشائر من تحولها جملةً إلى تشكيل قاعدة شعبيَّة مضافة إلى رصيد طالبان العسكري، وهو ما ساهم بكشل ما في صعودها إلى السلطة سنة 2021.

ومع أن التطهير في حماة في 1982 بسبب ما أعلن عن وصفه بأنه تمرُّد مسلَّح من الإخوان المسلمين ضد النظام السوري بقيادة حافظ الأسد، تحولت سريعًا إلى تصفية على أساس الانتماء العقائدي ضدَّ السنة، وقد شهدنا تصريحات لقيادات الثورة على النظام السوري كيف أنَّها ضمَّنت داخل خطابها الثوري أحداث 82، ثم كرر النظام السوري نفس الخطأ بعد 2013، ودعت مختلف أجهزته الإعلامية على وتر التصفية على أساس عقائدي أيديولوجي، وفاق عدد الضحايا المليونين، فهل تحصَّلت جدوى؟

وما قامت به إيران، وحزب الله، ومليليشيات الشيع، من الإبادة على أساس الانتماء العقدي، بشكل أكثر وضوحًا وأقل مبالاة، بل أرجعوا ذلك إلى جذور تاريخية متقدمة وحمَّلوا السوري الذي يعيش في ريفه بعيدًا عن السياسة والتاريخ، مسؤوليات لم يكن يعرف عنها شيئا.

وأدى ذلك إلى تزايد القاعدة الشعبية في صفوف الثائرين، ومع إجراء بعض التعديلات على الرؤى الأيدلوجية، بقي راسخًا في المشهد أن التطهير على أساس عرقي أو طائفي أو عقائدي، كان عاملًا ركيزًا في سقوط النظام السوري بشكل أو بآخر، واتضح بعد ذلك أن انتهاج هذه السياسة هو داء لا يمكن استئصاله مع مرور الوقت، بل حتى لو طبق لأقصى لوازمه، لن تنتج عنه سوى نزعة ثورية عدائية تمتنع السيطرة عليها بمجرد تصويب رؤيتك الطائفية أو القانونيَّة.

للإشتراك في النشرة البريدية

نشرة البريد

مدونة للمباحثة والنقد ومراجعة الكتب، أوفر خدمات SEO، وخدمات التدقيق اللغوي والتلخيص والتحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *