خلال حرب ١٩٦٧ يحكي وزير الخارجية المصري مفارقة، لم نتعلَّم منها شيئا إلى يومنا هذا، اتَّصل جمال عبد الناصر بوزير الخارجية المصري محمود رياض عشيَّة ٨ يونيو، يخبره أن القوات المسلحة المصرية في حالة انهيار تام، ويجب أن تبلِّغ سفير مصر في الأمم المتحدة، أننا موافقون على وقف إطلاق النار، ذهل محمود رياض! اتصل سريعًا بالسفير المصري، ذهل الأخير أيضًا!
يحكي محمود رياض عن ذهول السفير، أن خبر هزيمة عبد الناصر كان يتردد في الأمم المتحدة على لسان سفراء أمريكا وبريطانيا، لكن السفير، كان الوحيد الذي صدَّق أن مصر مستمرة في حربٍ قيل فيها أن طأطأة أقدام الجنود المصريين صارت على حدود تل أبيب، ولم يتبق شيء عن إعلان سقوطها.

لم يكن شيء أبلغ تنكيسًا لإرادة مستقبلية، من تلك الصُّحف المصرية التي كانت تنشر ما ينقل على لسان قائد الجيش المصري عبد الحكيم عامر. وصل التضليل الذاتي، لمرحلة جاء فيها أن سفراء الدول الغربية يسخرون من السفير المصري وهو يحكي هنا وهناك أن الجيش المصري أسقط إسرائيل، كان تلك المرحلة كانت متوَّجة بفهم فلَّاحي لفن الداعية، الدعاية المصرية التي ضلَّلت سفيرها ذلك اليوم، لم تحرك في سفراء الدول الغربية غير عضلات وجوههم عند الابتسام له ببرود وهو يتداعى. وكم من فلاح اليوم يُلقَّب بما لقب به عبد الحكيم عامر ذات يوم، لواء!


قبل ١٩٦٧ بعشرين سنة، وفي سنة ١٩٤٥، ترشح تشرشل للانتخابات العامة في بريطانيا، بعد أن أبرز قيادة احترافية في الحرب العالمية الثانية، كانت شعبيته ٩٩٪ في بريطانيا وخارجها، كان قد حقق لها نصرًا قاطعًا، وبعد انتهاء الحرب “العالمية” والتي “فاز” فيها، لم يتداخل في وجدان البريطاني “الشعور بالتقدير والحب” مع “السياسية”، لم ينتخب الشعب تشرشل، نعم، تصلح لقيادة عسكرية، تنتصر في حروب “عالمية”، لكنك لن تدير السياسة بكفاءة، وجرى فوز حزب العمال بقيادة كلمنت أتلي.
بالعودة إلى ما بعد إعلان هزيمة ١٩٦٧، تناولت الصحف أمرًا يهم جيلنا الحالي أن يتمعَّنه، ألم يقع وسم مخرجات الحرب بالنكسة، انعكس سريعًا الوصف على جيل تلك السنوات، بأنه “جيل النكسة”، وسريعًا ما عادت نفس الصحف تمجِّد جمال، معلِّقة على خطاب استقالته بكلمة “لا”، لم يرض شعب النكسة أن يتخلى عن قائدها، فالعلاقة محبة، قبل أن تكون سياسة، في صورة تمظهرت فيها لوعة الأمة أن تقع مشاعرها في خدش، ولا تزال إلى يوم ذهنية جيل النكسة ممتدة، في الصنمية والمراوغة، وتكريس شروط الانهزامية.

اترك تعليقاً