في نقاش على الاتجاه المعاكس، بين فايز الدويري ونبيل السبع، يتعرض الأخير عملية ٧ أكتوبر بالنقد، في حين يدافع عنها الدويري، طرح فيصل قاسم سؤال عن فوائد العملية، أجابه الدويري أنها ضرورة، وأنها أحيت القضية في ذهن الأمة. يجيب الخصم أن العملية تسببت في إبادة عشرات الآلاف، وإعاقة مئات الآلاف، وقد تهجر ملايين، يكرِّر الدويري أنها ضرورة لإحياء القضية، وواصل في التمسُّك بهذه النقطة لآخر اللقاء.
المشكلة في الخطاب الذي يتشبث به الدويري أنه يعتمد على الخلط بين ضرورة العمل وبين كيفية العمل. وبما أن الدويري يريد التمثيل بين عملية ٧ أكتوبر وثورة ١ نوفمبر، أريد الإشارة لبعض ما حفظ عن قيادات الثورة، كان لمحمد بوضياف عبارة في مسألة التحضير لأول نوفمبر، يقول:
“يعتبر يوم ٨ ماي ١٩٤٥ بالنسبة لمناضلي جيلي نقطة انطلاق الوعي وقطيعة! وعي بضرورة البحث: زيادة عن مجرد المطالبة بالاستقلال، عن الطريق الذي يجب اتباعه، والوسائل التي ينبغي استعمالها من أجل التوصل إليه” 1

يتكلم بوضياف عن وعي بضرورة الدراسة لما هو أهم من مجرد طلب الاستقلال، وتجديد إحياء القضية في النفوس ومسائل الكرامة والأمل، يتكلم على وجه الدقة، في مقدمة كتاب بعنوان (التحضير لأول نوفمبر) عن الوعي بالطرق والوسائل التي يجب اتباعها، للحصول على هذه الضرورة، ضرورة الاستقلال عن فرنسا، وتحقيق حرية، وإعادة إحياء القضية الجزائرية.
ولا يمكننا أن نتوقع، أن مختلف قيادات الثورة من الوطنيين الذين اختلفوا فيما بينهم، ولو بحدَّة، تحدث أي منهم عن حتمية الثورة، أو ضرورة وجود مقاومة، بقدر ما تناولت النقاشات قضايا الوسائل والطرق، خطوط الإمداد، مخازن المؤن والأدوية، ربط المدن بالأرياف، وطريقة تطبيق المقاومة على الأرض، والأهم من ذلك، طرق توحيد الجبهة الداخلية، ولهذا، خلال كل سنوات الثورة، كان بن بلة يصف كل معركة أو خطة جرَّت هزيمة بأنها هزيمة أخطأ منفذوها التَّقدير، لم يكن الحديث عن ضرورة العمليات، بقدر ما كان الحديث عن تطوير سبل لنجاح العمليَّات. فضرورة العمل ثابتة، الحديث كان عن الكيفية.
عندما يجعل الدويري كل “الكيفيات” وكل “السبل” التي تبلورت خلال ٧ أكتوبر، كضرورة جبرية، هو يذهب إلى النقد المتجه لعدم نجاعة التقدير والكيفية والأسلوب والتحرك العيني، ويجعله نقدًا على “مجرد المطالبة بالاستقلال واستمرار جنس المقاومة”. ثم يسأل محاوره “ما البديل”.
وكأنَّ استشهاد ما يقارب ٧٠ ألف جزائري في مظاهرات ٨ ماي، التي تعرضت لنقد من بعض القيادات على أنها وقعت في يوم وظرف وبإمكانيات وتنظيم غير مدروس كفايةً، تدل على انعدام بديل! بوضياف كما في كتابه لم يقل “ما البديل” بعد استشهاد هذا العدد الهائل! حسب ما عبَّر به عن منطق قيادات الثورة، كان التحدي لدى القيادي هو صنع البديل في الوسائل والطرق. لذا فمن عدم الاحترافية أن يتحدث لواء متقاعد يفترض أنه درس تاريخ الحروب والثورات التحررية ودرَّسها بلغة “ما البديل”.
- التحضير لأول نوفمبر، محمد بوضياف، ص١١. ↩︎
اترك تعليقاً