هل كانت فعلا سوريا الأسد، هي سوريا المقاومة؟

د

حافظ الأسد

سوريا الأسد، سوريا العروبة والمقاومة، تبقى واحدة من العبارات التي ترسَّبت وصارت أحفورة في ذهن جيل الكهولة. لكن لو جرى فحص مدلولها تاريخيًا ماذا سنجد؟

خلال حرب ١٩٦٧ كان الجيش المصري والجيش الأردني متحدين على جبهتين، ولم يكن ينقص سوى جبهة ثالثة لتحقيق هزيمة في قوات العدو، يذكر إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيلي سابق، أن الحرب كان ستتغير وتتحقق هزيمة قوات الكيان لو استجابت سوريا لمصر ودخلت الحرب، لكنها ماطلت ٢٢ ساعة، يذكر إسحق رابين، أن هذه المماطلة من سوريا، شكلت فارقًا كبيرًا، تمكَّن الإسرائليون خلال هذه المدة من تدمير كل الطيران المصري.

كان حافظ الأسد يومها وزيرًا للدفاع في سوريا، ويذكر إسحق رابين والذي دان برفقة وزير دفاع الكيان، أنه كان يشهد أن قواتهم أنهكت بالكامل على الجبهة السورية، عندما أعلنت الإشتباك بعد ٢٢ ساعة، فماذا كان؟ تحولت القوات الإسرائيلية إلى سوريا، ودمرت بشكل واسع ترسانة سوريا، بعد أن أنهت طيران مصر خلال ٤ ساعات، لكن يذكر رابين “لم نكن قادرين على تحمل زيادة القتال على جبهة سوريا أكثر من أربع وعشرين ساعة” فماذا حصل؟

الذي حصل هو أن حافظ الأسد، وزير الدفاع المتأخر، أعلن سريعًا سقوط القنيطرة، قبل أن تسقط فعليا، في عز إنهاك قوات العدو كما يذكر رابين، وكتب عن هذا سامي الجندي، الذي كان سفير سوريا في فرنسا، ومصطفى خليل، وقد كان ضابطًا في الجيش السوري حينها، كتب الضابط مصطفى: كان من المستحيل سقوط القنيطرة فقوات سوريا كانت مكثفة هناك، وكتب سامي الجندي: إعلان سقوطها من طرف حافظ، قبل أن تسقط، أمر محير.

صورة لحافظ الأسد
صورة لحافظ الأسد

وعندما التقى أحمد الطيب، عميد السفراء العرب في مطار طرابلس، سنة ١٩٦٨ بحافظ الأسد، وكان يومها لواءً، سأله قائلًا “ما دمتم قد وصلتم إلى أجواء العدو، واخترقتم جدار الصوت في سمائه لماذا لم تضربوا؟” رد عليه حافظ قائلًا “نعم… سنضرب إن شاء الله”.

هكذا سجل أحمد الطيب شهادته في مجلة الوطن العربي. ثم قال: “ولم يحصل هذا، إلى جاءت ضربة حلب، ثم ضربة حماة” يقصد مجازر ١٩٨٢، التي مات فيها جراء قصف حافظ أكثر من ٤٠ ألف سوري.

ومن المسائل التي تروى عن بعض أصدقاء الرئيس الراحل أحمد بن بلة، أنه كان مقيمًا في باريس سنة 1982، ودعاه بعض السوريين للمشاركة في مظاهرات احتجاجيَّة للتَّنديد بمجازر حافظ الأسد في حماة، وصل بن بلة مبكرًا وقدَّمه السوريون إلى رأس التظاهرة ضد حافظ، وبينما كان هناك، حاولت سيارات من الاستخبارات السورية بقيادة الملحق العسكري في السفارة السورية مهاجمة المتظاهرين، وكاد بن بلة أن يصاب، فطوقه عدد من المتظاهرين السوريين، ودفعوه إلى الخلف. يحكي ناقل الحادثة، أن بن بلة لم يُكنَّ لنظام آل الأسد سوى الكراهيَّة، حتى أنه رفض وساطات لبنانيَّة وليبية وإيرانيَّة عدة دعته لزيارة دمشق في عهده.

صورة لأحمد بن بلة
صورة لأحمد بن بلة

خلال الحرب العربية سنة ١٩٦٧م، كان حافظ الأسد متنفذًا أساسيًا في دولة سوريا، كان وزيرًا للدفاع حينها، وحينما كان الجيش المصري يخوض حربه ضد قوات العدو، أبلغ حافظ الأسد القيادة المصرية أن هنالك حشودًا عسكرية لقوات العدو على الحدود السورية. عندما نقرأ مذكرات إسحق رابين، الذي كان فاعلا على الجبهة السورية، يذكر أن جيش إسرائيل كان منهكًا، وأمريكا كانت تضغط بشدة لكي يسحب قواته من سوريا.

تلقت أجهزة الاستخبارات المصرية يقينًا بكذب بلاغ حافظ الأسد، لكن بعد أن تحققت الهزيمة العربية، رغم أن جنود سوريا كانوا على مشارف طبريا. تذكر الشهادات أن وزير الصحة السوري عبد الرحمن الأكتع، وكان رفيقًا لحافظ الأسد أنه قال لحافظ “أنا قرب القنيطرة، وهي لم تسقط في يد اليهود” فرد عليه حافظ الأسد “بشتائم هابطة” 1

حفظت المجلات تاريخًا حافلًا من الخيانات! نشرت مجلة المجتمع الكويتي سنة ١٩٧٩، أنه قد “صدرت أوامر من وزير الدفاع السوري حافظ الأسد، بالانسحاب من الجولان قبل الهجوم اليهودي عليها، وأخلتها من سكانها يوم ٥ يونيو ١٩٦٧. ولكن بعض العساكر رفضوا وقاتلوا حتى قتلوا في مواقعهم”. 2 أما المندوب السوري في الأمم المتحدة فقد أمره حافظ الأسد بإعلان سقوط القنيطرة في يد اليهود قبل أن تسقط، ولكن المندوب اليهودي إلى جانبه كذَّب الخبر، وقال: إن شيئا من ذلك لم يحصل 3 وعندما وقعت حرب أكتوبر ١٩٧٣، أرسلت دولة عربية لواء يتكون من ٥٠٠٠ جندي، وقدر اللواء على استرجاع الجولان، تذكر مجلة الاعتصام بعددها الثامن سنة ١٩٨٩، أن “حافظ الأسد سلمها مرةً أخرى لليهود” 4

إن القنيطرة، ليست شيئا منفصلًا عن الجولان بل إنها درة الجولان وكما يحكي جمال عبد الهادي (١٩٩٢): عندما ترجع إلى وثائق وزارة الدفاع التي كانت تحت إشراف حافظ الأسد، بالضبط قبل ١٩٦٧، تجد تغييرات هيكلية في نظام الوزارة، وفي قوميتها حتى: “تسريح الضباط السنة (وقد كانوا ذوي كفاءة) من الجيش، تعيين عسكريين من طائفة العلويين في مراكز القوى العسكرية وقيادات الجبهة، مثل العلوي عزت ورفعت الأسد (ولم يكونوا ذوي كفاءة) تسليم وزارة الدفاع ومؤسساتها لأبناء الأقليات الطائفية. إسناد منصب وزير الدفاع إلى ضابط نصيري” وكان هذا الضابط هو حافظ الأسد. 5

يسأل أحد كبار ضباط سوريا يومها، مصطفى خليل في كتابه (سقوط الجولان) “من الذي طلب من أفراد الجيش أن يتخلوا عن القنيطرة” ثم يجيب قائلًا:

  • هروب قائد الجبهة أحمد المنير إلى دمشق يوم المعركة متنكرًا على حمار، متحاشيًا الركوب في سيارته العسكرية لكي لا يعرفه الجنود، بأمر من وزارة الدفاع (حافظ الأسد)
  • رفض رفعت الأسد وعزت جديد القيام بأي هجوم معاكس لصد العدو، وارتدوا إلى القصور الآمنة في دمشق.
  • أمر وزير الدفاع حافظ الأسد بترحيل كل سكان القنيطرة من العلويين حصرًا بحمل كل أمتعتهم للاستقرار في دمشق. وهذا في عز هجوم قوات العدو” 6

كتب خليل هذا الكلام، قبل أن تستحكم القومية العلوية على زمام الحكم، وما أن انتهى الوضع بها إلى نفوذ شامل في سوريا، حتى صار وراء القضبان إلى أن توفي في سجن القلعة بدمشق.

هذه هي قصة الجولان منذ ١٩٦٧، وهذا هو سياقها. وسياق تسليمها عار لن يزول عن جبهة آل الأسد، ومن يحذف كل هذا السياق، منذ ٦٧، إلى ٧٣، لن يتحمل (الوعي العربي) مسؤولية جهله بالأحداث والتاريخ كما خدع قديما وتحمل مسؤولية (النكسة) ومسؤولية (سقوط الجولان) لما كان يدعي من خدم مصالح الطائفة وقربها إلى العاصمة بإسقاط الجولان أنه فعل ذلك بدافع القومية العربية.

  1. راجع مجلة المجتمع الكويتية، العدد ٣٠٤ سنة ١٩٧٩. ↩︎
  2. راجع مجلة المجتمع الكويتية، العدد ٣٠٤ سنة ١٩٧٩. ↩︎
  3. راجع مجلة المجتمع الكويتية، العدد ٣٠٤ سنة ١٩٧٩. ↩︎
  4. راجع مجلة الاعتصام، العدد ٨، سنة ١٩٨٩د ↩︎
  5. راجع الوثائق على مجلة المجتمع الكويتية. ↩︎
  6. راجع كتاب الضابط خليل مصطفى، الصادر سنة ١٩٦٩ ↩︎

للإشتراك في النشرة البريدية

نشرة البريد

مدونة للمباحثة والنقد ومراجعة الكتب، أوفر خدمات SEO، وخدمات التدقيق اللغوي والتلخيص والتحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *