“شاهد ما شفش حاجة”

د

صورة لعدنان إبراهيم من بودكاست الأخير

سمعت بودكاست عدنان إبراهيم الأخير، ولفتني أن السائل تعرض لمسلسل معاوية وسأله عن رأيه، ومع أنه لم يشاهد حلقات المسلسل، لم يكتف بعدم الجواب، كمن لم يتعرف على كتاب فلا رأي له فيه، ولكن أراد أن ينسج جوابا سياقيًا، كمن شهد على ما لم ير، فقال: إن مسلسل كهذا، إن كان سيذكي تفرقة بين المسلمين سنة وشيعة، فإن رأيي ألا يذاع، وبنفس المنطق تعرض للشيعة إن رأوا إنتاج مسلسلات حول الشخصيات المتميزة في تاريخهم.

وبهذا المنطق يحل عدنان موضوع طَرق المسائل التاريخيَّة، ومع أنه أكثر التمسح بفلاسفة غربيين كانوا بنظره من روَّاد الحضارة وبناتها من المساهمين فيتشكيل ما أسماه بالوعي والعلم الحديث، بل كان من أبرز المترحمين على موتاهم.

حتى في أطروحته للدكتوراه ذكر أنه تأثر وهو يكتبها بمنهج ميشيل فوكو، والذي كان متأثرًا بنيتشه، فقال “لا أنكر تأثري بطريقة ميشيل فوكو التي ركزت بروح نيتشوية” (حرية الاعتقاد، عدنان إبراهيم، ص47)

وهو بهذا يكشف عن سقف تأثره بفلاسفة كهؤلاء، نيتشه الذي لم يتعرض لمسائل التاريخ الأوروبي بمنطق التهوين، بقدر ما سعى لكشف وتعرية جل المسائل التاريخية التي عرضت في عصره، ومن ذلك نقده المتكرر للمسيحيَّة، حتى أنَّه إبان شبابه كان كثير التأثر بفويرباخ وكان يكرر كتابة أبحاثه في نقد المسيحية والتي اقتبسها من النقد الشهير له (جوهرة المسيحية).

وتوجت سخرياته منها بعمله الشهير (هكذا تكلم زاردشت) بجعل المسيحية في جوهرها منظومة تكرس أخلاق العبيد، والضعف ونبذ القسوة، ورفض الحياة والجسد واللذة، وكان بطله الرمزي (زاردشت) هو المقابل لـ (المسيح) وهو الذي كان حاملًا لفكرة الإنسان الأعلى، وهو الذي ألف فيما بعد (نقيض المسيح)

ونقد السقراطيَّة في (غسق الأوثان) منتصرًا لهيراقليطس ونحوه لأنهم بنظره كانوا من ممثلي العفوية الوجودية، فيخيل لك أن عدنان لو عرض عليه الكتاب قبل طباعته، لأجاب أنه لو كان في الموضوع إثارة لنعرات بين المسيحية وغيرها فرفضه أولى، فما فائدة نقاش السقراطية انتصارًا للإغريق القدماء؟ ومع ذلك، يدعي الاستفادة من مخرجات مذهب نيتشه، تلك التي تأثر بها فوكو.

كتاب هكذا تكلم زاردشت لنيتشه
كتاب هكذا تكلم زاردشت لنيتشه

ومع كثرة التغزل بفلاسفة أوروبا ظاهرًا، في إعادة تدوير أفكار سطحية، يعمد إلى تاريخه بما يناقض حال هؤلاء الفلاسفة مع تاريخهم هم، ألم يعد هايدغر إلى تاريخه في بحث بدايات السؤال الفلسفي بنقد الأفلاطونية، فوكو نفسه انتقد جل منظومات التاريخ الأوروبي المتقدمة، تلك التي بحثها في ميلاد السجن، وإقصاء الجنون، ولم يسلم عصر النهضة من نقده حتى فكَّك جل بنيات السلطة المعرفية التي كانت تقدِّس رجال الدين والأطباء، المعترف كما القديس والمبشر.

وعدنان من الكثر الذين تمسحوا بالأشعري طويلًا، ألم يعلن الأخير في خطبة عن مفاصلته للمعتزلة، وقد ذكر عبد القاهر إكفاره لهم فيها ولم يكن حريصًا على المسالمة، فيبدو ساخرًا أن تمجد منجزات الغرب وتجعل رجالاته رفاقك في رحلة التنوير، وما أن تسأل عن تاريخك، ترتدي عباءة السلم الأهلي وتفعِّل مبدأ سد الذريعة وقد كان غائبًا أيام لعنك لمعاوية على المنابر!

للإشتراك في النشرة البريدية

نشرة البريد

مدونة للمباحثة والنقد ومراجعة الكتب، أوفر خدمات SEO، وخدمات التدقيق اللغوي والتلخيص والتحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *