تعيّن سنة ٧١٩م/١٠١ه، إجراء حركة نقلية في سلك ولاة الدولة الأموية، فوقع تنصيب السمح بن مالك الخولاني على ولاية الأندلس في شهر أبريل من نفس السنة، واختارت العاصمة دمشق أن تجعل من الأندلس ولايةً تابعة في شؤونها الإدارية للخلافة بشكل مباشر، فلم تعد تابعة لعامل إفريقيا، كما كان في السابق، فاستلم السمح بن مالك ولاية مستحدثة، لم تكد تُضم إلى الأراضي الأموية حتى دبّت فيها الثورات من كل جانب.

ولاية السمح بن مالك
كانت فترة السمح في المنطقة، قد شهدت إصلاحات اقتصادية/سياسية في آن واحد، فالسياسي الفذّ إن لم يكن مستغلا لصلاحياته في إطار ما يمكن أن يقدّمه برنامجه الإصلاحي مقارنةً بالمنظومة البيروقراطية السابقة، والتي غطت مغذى كل ثورة طارئة بآثارها؛ أعني اقتصاد الفرد، لن تكون لإصلاحاته أية نتيجة تذكر.

إصلاحات السمح بن مالك
وقد استغل السمح مثل هذه التناقضات، فكان اطلاعه على النظم الإدارية التي كانت إبان الحكم الروماني القريب في إسبانيا، مثارًا لجعل إرساء الحكم الأموي في مخيال الشعب الإسباني مدعاة للظفر بتحسن زاهر في الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، فعوض فرض ضرائب قاهرة على المزارعين، الذين شكلوا غالبية الشعب الإسباني، قضى السمح بعد مسح الأراضي أن يكون تخميسها؛ أي فرض خراج بنسبة الخمس، غير مشروط بتدخل السلطة في حرية التصرف فيها، خلافا لما كانت عليه الإدارة الرومانية التي كانت تثقل كاهل المزارع بضريبة عالية، إضافة إلى تقييد حريته في التصرف في أرضه.

أثر الإصلاحات الأموية
أتت هذه الإصلاحات في الأندلس (إسبانيا) بثمارها، في فترة قيل فيها أن عمر بن عبد العزيز قد كاد يقضي بإجلاء المسلمين منها جملة بدافع بُعدها عن العاصمة لولا تدارك المشورة!، فالثورات القائمة على باعث اقتصادي، خمدت بنسبة خراج ضئيلة في نظر المزارع، مع إزاحة كل قيد عن التصرف في الأرض، أما الثورات التي قامت على باعث عرقي، فقد خمدت بتمزيق لحمة الثوار عبر تقسيم الأراضي الشمالية لطائفة منهم، وتخصيص الأراضي الجنوبية لطائفة، وما إن انقضى ما لا يزيد عن ٨ أشهر، أي في أواخر ٧١٩م/١٠١ه، حتى تجهّز السمح للزحف نحو الجنوب الفرنسي، توطيدا للولايات الشمالية.
جبال البرانس/البرنيه؛ الحد الفاصل بين فرنسا وإسبانيا
جهّز السمح قواته في أواخر ٧١٩م/١٠١ه، باتجاه سبتمانيا، وهي مدينة لانغدوك، والتي تعتبر الآن من مدن فرنسا التاريخية، فاخترق جبال البرنيه من ناحية روسيون (Roussillon)، وغزى ناربونة (Narbonne) وهي أحد أهم المدن السياحية في فرنسا حاليًا، كما استاعد قرقشونة (Carcassonne)، ومعها معظم مدن لانغدوك، وانتهت هذه الغزوة خلال ٧٢٠م/١٠١ه باجتياح القوات الأموية لكل غاليش (فرنسا) القوطية وجميع قواعد لانغدوك.
صور المدن التي فتحتها القوات الأموية



لانغدونك، تولوشة
تمثل لانغدوك إحدة المقاطعات الفرنسية الحديثة، وكانت عاصمتها قديما مدينة تولوز الفرنسية، والتي سماها العرب (تولوشة)، أما جبال البرنيه، فتسمى جبال البرانس حاليا (Pyrénées)، جبال ثلجية، وهي تقع على الحدود الفرنسية الإسبانية، ويبلغ أعلى ارتفاع لها ٣٤٠٦.٢ متر، أما امتدادها الطولي فهو ٤٩١ كيلومتر، وتقدر مساحتها بـ ١٩٠٠٠ كيلومتر مربع.

حكومة أموية مسلمة على أرض فرنسا
هذه الجبال اخترقتها قوات بني أمية، بقيادة السمح، متجهةً نحو إرساء أقدامها فوق أقاليم فرنسية ذات حصون متينة، ضمتها القوات تحت مسمى الولاية، وهي ما يمثل النصف الجنوبي من فرنسا، فاتحة أوروبا، أقام بها السمح حكومة مسلمة، ووزع الأراضي بين العرب والسكان، وفرض الجزية فيها على النصارى من الفرنسيين.

المدة التي حصل فيها كل ما سبق
وقد جرى كل هذا، خلال أقل من سنة. وهو الذي مهّد لحقبة توسع جديدة في الداخل الفرنسي وصولًا إلى فتح تولوز وليون وأكتانيا، وبوردو، وسانس، وغيرها على يد خلفه عبد الرحمن الغافقي، إذ اقتربت القوات الأموية حنيها من باريس بما يقل عن ٢٤٠ كيلومتر، وقد كان بين قوات الغافقي يومئذ وبين حدود الأندلس (جبال البرانس) التي اخترقها السمح قبل بضع سنوات ما يزيد ٧٢٠ كلم.

اترك تعليقاً