في نقد مقالة: لن نؤمن بإله بمواصفات الأديان القديمة

د

تمثال أرسطو

لن نؤمن بإله بمواصفات الأديان القديمة

هكذا يتم إعلان التمرد على الإسلام في كثير من الأوساط الملحدة، وكثيرا ما تأتي ذي الأحجية للتدليل على أنه لم تكن هنالك حصرية إسلامية فيما يتعلق بصفات الإله بل وقع اقتباس من الديانات المتقدمة؛ والتي كانت تتصور إلها بصفات يتصف بها البشر.

لعل أقدم ما يمكن أن نبدأ منه من مقالات حُفظت حول اللاهوت، هي المقالات اليونانية، ولنأخذ على سبيل المثال أرباب الفلسفات الذين سيطرت عقائدهم اللاهوتية بصورة محكمة على من بعدهُم، أعني بالخصوص؛ أرسطو، الذي:

كان له تأثير كبير على تصورات الفلاسفة حتى نهاية العصور الوسطى؛ أي خلال عشرين قرنًا

تعبير جورج بولتزير، عن أرسطو طاليس.
image 2024 05 23 201725225
كتاب ما بعد الطبيعة لأرسطو

لقد كانت الأرسطية، التي لم تحفظ منها إلا الميول المثالية، وكذلك المثالية الأفلاطونية، والأفلاطونية المحدثة، تُعتبَر الممثل الرسمي عن ديانة ما قبل المسيح بقرون، إلى ما بعد العصور الوسطى عند شيوعها بعد حركات الترجمة، إنها الفلسفات التي نشأت على يد رجال كانوا يقولون بتعدد الآلهة، بل حتى بوجود نصف إله، وبما أن الآلهة متعددة، فلقد كان لكل ما لا يوجد له تفسير علمي إله باسمه؛ فإله الرعد، وإله الشمس وإله الريح وهلم جرّا، ولكن ما موقع المحرك الأول لكل ما يتحرك، بأي صفات كان؟

image 2024 05 23 201412126
أرسطو

في هذا المنعطف؛ يخبرك أرسطو أن الإله: محرك لا يتحرك، في حين أن إله الإسلام؛ ينزل ويجيء ويأتي ويتكلم بحرف وصوت، فهذا يدلنا على أن مقالة الإسلام تقع موقع النقيض تجاه مقالة الأرسطية، فالحركة التي هي من صفات الإله عند المسلمين، ليست صفةً لإله الديانات القديمة على الإسلام، فضلا عن أن تكون صفة لحيّ. فهذه واحدة.

image 2024 05 23 201817389
صورة غلاف

“أمارة ما بين الحي والميت عند العرب: الحركة

مقولة عثمان بن سعيد الدارمي (280 هـ) في الرد على بشر بن غياث المريسي

إن أرسطو عندما كان يؤسس لعلم ما بعد الطبيعة الذي يفترق عن علم الطبيعة في أخص صفات المشاهدات من الموجودَات؛ وهو الحس، يدلنا على تصوره أنه إن كان الحِس صفة لازمة كي نُقرَّ بوجودِ بشر، فإن الإله لديه يتصف بـ “ما بعد الحِس”، فإنه لا يُرى ولا يُسمَع، بل إنه معقول كالذهن، بل من جنس الكُليٌّ، فإن كان من يعبدُه المسلمون قد كلم موسى تكليما بحرف وصوت، وسمعه موسى، ويَرَاه المُؤمنون كما يرون القمر، وينظرون إلى وجهه بأعينهم، أفيشمله قول اليوناني “لاهوت ما بعد الطبيعة”؟ لقد قال ابن تيمية: لم يفرّق الأنبياء بين عالم الغيب وعالم الشهادة بأن الأول معقول والثاني محسوس. فكلاهما محسوس، والغيب ما غاب عن الحس لا ما امتنع الحس به، وقد أتحفنَا إذ قال:

“وأما علم ما بعد الطبيعة وإن كانوا يعظمونه، ويقولون هو الفلسفة الأولى وهو العلم الكلي الناظر في الوجود ولواحقه، ويسميه المتأخرون: العلم الإلاهي، وزعم المعلم الأول لهم أرسطوا أنه غاية فلسفتهم ونهاية حكمتهم. فالحق فيه من المسائل قليل و غالبه علم بأحكام ذهنية لا الحقائق خارجية”.

–نقض المنطق لابن تيمية.
image 55
نقض المنطق لابن تيمية

فهذا تفصيل أسطو في ما بعد الطبيعة يقول بمعقولية وذهنية ومطلقية الإله، وهذا الإسلام يقول بتعيّن الإله، وأن وجوده حقيقي خارج الذهن.

image 2024 05 23 201323178
لأفلاطون

إن الأفلاطونية، التي تقول بعالم المثل، وأن الإله مثال، ذهن، فكرة، وجوده غير محسوس ولا متعيّن، ولا يوصف بأين ولا كيف ولا متى، يدرك ابن سينا أن الإسلام لا حل لجعله يتفق معها، فلا التأويل صالح ولا التحريف، وإنما؛ آيات أصول الدين في الحقيقة تعارض الأفلاطونية والأرسطية جميعا في الأصل والفرع، فيرى ابن سينا أن يقول بكذب الإله لمصلحة الجمهور من المسلمين؛ فقال لهم أنه ذو صفات عينية حقيقية كي يؤمنوا، لأن الذهن البشري لا يؤمن بإله عبارة عن شيء مجرد عن كل صفة؛ فهذا عدم. فهذا الشاهد يتضح من مقالات المشّائين، الأفلاطونيين العرب، أن صفات الإله في الإسلام كثبوت الأين (في السماء/على العرش/حيث) والمتى (قبل/بعد/ثم) والكيف (يدان، وجه، عينان) بما يسمى بظواهر النصوص؛ يناقض صريحا ديانة أفلاطون وأرسطو ممن كانوا أهل ديانات قديمة، فإن الإله عندهم “مجرد” عن كل صفة.

image 2024 05 23 202001677
صورة غلاف

ثم إن تلك الأرسطية التي سيطرت على لاهوت القرون الوسطى، والتي كانت قديمة إلى حد التأريخ لها بثلاث قرون قبل المسيح، والتي عبرت عن مثالية محضة، حيث تصف الإله والغيب بما ينطبق على الأذهان، فيوصف بالسلوب، بل يوصف بثبوت أصلا، وإنما هو مجرد، ولا يتحرك، بل هو بتعبير من كان ماديًا ملحدًا (أعني روجيه جارودي) محض شيء ميت، ولا يوصف بصفة عينية، ولا يمكن أن يُحَسَّ بِه، ولا أن يُرى.

image 2024 05 23 200659154
نقد الفكر الديني للعظم

بل حتى علمه؛ إما أنه علم بالكليات، أو علم أزلي فقط، أو أنه يعلم نفسه فقط. كانت هي السبب الرئيس الذي صرّح صناديد الإلحاد بأن إلحادهم كان إلحادًا بهذا الإله الذي بهذه الصفات فحسب! ولقد كان نيتشه يقول: «من قال إن الله روح، فقد خطا الخطوة العظمى نحو الجحود»، يعني الإلحاد. ومن ثم فقولة «مات الإله»؛ متعلقة بإله أرسطو، الذي مثّله توما لاكويني، يقول صادق العظم –مادي، ملحد–:

”وإذا تتبعنا سياق هذا التفكير اتضح لنا أن نيتشه أعلن موت هذا الإله بالذات، ولم يعلن موت إله غيره“

نقد الفكر الديني، صادق جلال العظم، ص١٨٩

«مات الإله» أي إله؟ يقول الإلحاد: ”إن الإله الأرسطوطاليسي المحرك الثابت الرب البارد قد مات” [البديل، روجيه جارودي، ص٣٩]. لماذا قالها؟ لأنه محرك لا يتحرك. نعود إلى الدارمي: أمارة ما بين الحي والميت الحركة. فما فائدة عبادة ميت؟ ثم إن مقالات أهل السنة [الإسلام الصحيح] تقول بمعاني الحركة. فلأجل أي مقالات نشأ إلحاد جارودي؟ الإسلام، أم تلك الديانات القديم

image 2024 05 23 201029706
صورة لروجيه جارودي

أمّا عن مفصّل مقالات كل ملحد من صناديد الإلحاد الفلسفي، فكلها تخبر بأن الإلحاد؛ نتيجة لذلك التصور الأرسطي البدائي المثالي، الذي تمثّل في المسيحية بعد أن احتكّت بالسينوية والرشدية والجهمية، يقول سلافوي جيجيك ”أدّعي أن السبيل الوحيد الحقيقي كي تكون ملحدًا، هو المرور عبر المسيحية“ [دليل المنحرفين إلى الإيديولوجية، بواسطة القراءة الماركسية لسمرين].

image 2024 05 23 193350952
صورة غلاف

فتمهّل وأنت تنظر في إلحاديّة فيورباخ، ماركس، أنجلز، لينين، بليخانوف، هولباخ…إلخ. أنها لم تنادي بالإلحاد إلا أمام مقالات “لاهوت بتصورات بدائية” تلك التصورات التي كانت مثالية تجريدية، ولم يكن قط لدى صناديد الإلحاد اعتراض على إله متعين موصوف بصفات حقيقية يُحس ويَتحرك ويُسمع ونحوه.

فإن كانت ذي تهمة كلامية، فهي معرّة عليهم، كقول الصاوي الأشعري ”الأخذ بظواهر النصوص من أصول الكفر“ فإن هذا هو الفتح لباب الإلحاد أصلا، ومثل الذي يتصور التشبيه؛ يُناقَش في القدر المشترك والقدر الفارق. وغرضنا الإبانة على تهافُت تهمة الاقتباس من الأديان القديمة التي سببت الإلحاد، والتي تُساق معها فرية ”إله بصفات بشرية“. فإن ثبوت القدر الفارق ينفي التماثل. وإنما طرأ الإلحاد عند صناديده بسبب نفي القدر المشترك للقول بالتجريد، وليس هنالك من يدعي صفات بشرية أو يطالب بها أصلا.

image 2024 05 23 200856499
صورة لإنجلز

“والدين الوحيد الذي يدرسه فيورباخ دراسة معمقة هو المسيحية، الدين العالمي للغرب الذي يقول بإله؛ هو نتاج حركة طويلة من التجريد”.

اقتباس عن أنجلز، الذي قال أن ماركس نقد الدين وفق رؤية فيورباخ.

للإشتراك في النشرة البريدية

نشرة البريد

مدونة للمباحثة والنقد ومراجعة الكتب، أوفر خدمات SEO، وخدمات التدقيق اللغوي والتلخيص والتحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *