يقال أن هيوم ألف مبحث في الفاهمة البشرية وهو ابن ٢٤ سنة، ثم ندم بشدة على نشره، حق له الندم، فكرة الشطر الأول من الكتاب كلها قائمة على كلمة ”أنا أفكر إذا أنا موجود“، إنها سرقة لطيفة لقوالب ديكارت. يقول هيوم:
افترض أن إنسانًا يتمتع بأقوى ملكات عقلية، وتأملية، سيكون عاجزًا عن بلوغ فكرة السبب والأثر
مبحث في الفاهمة، لهيوم، الصفحة ٧٠
قوانين الطبيعة كلها، وعمليات الأجسام كلها، إنما تعرف بالخبرة وحسب، فلو قدم لنا أي شيء وطلب إلينا أن نتكلم على الأثر الذي سيتحصل عنه، من دون الاسترشاد بمشاهدة ماضية، فبأي طريقة -لا أب لك- يجب أن يتصرف الذهن في هذه العملية؟
مبحث في الفاهمة لهيوم، ص٥٤
ليستنتج من هذا أنه لا يوجد تأكيد على السببية. لاحظ أن كل أمثلة هيوم مُصدَّرة بعبارات من قبيل ”هب أن إنسانا رأى، إن المرء إذا رأى، إنني ولو كنت ذكيا فلن أدرك السببية، الإنسان“ كلها تعامل الوجود من منطلق ”الأنا“، من منطلق ”الشيء لذاتي“، إنها الفلسفة التي ينغلق فيها الإنسان/الأنا على نفسه، ولا يضحى شيء موجودًا إلا إذا باشره الإنسان.

إن الرجل العاجز عن بلوغ فكرة السبب والأثر، لا يؤكد عجزه على عدم العلم بالسبب والأثر، عدم وجوده، إن السبب يحدث الأثر سواء كشفناه، أم لم نكشفه، إنه موضوعي، مستقل عن ذواتنا.
وهنا تأتي كلمة ابن تيمية:
”الحقائق الخارجية مستغنية عنا، لا تكون تابعةً لتصوراتنا، بل تصوراتنا تابعة لها“
الرد على المنطقيين، صفحة ٧١

فالحقيقة الخارجية بين السبب والأثر سيكشفها الإنسان، ويكون تصوره تابعًا لها، لا العكس.
الطبيعة لا تتأثر بتصور الإنسان، سواء وافق على وجود الطبائع، أم أنكر، سواء وسم السببية بالاقتران، بالعادة، أم بالخبرة، فإنها لا تتأثر، ستمارس الطبيعة السببية وستؤثر في الذهن، وإن لم يوجد ”ذهن يفكر“ فإنها تمارس ما تمليه طبائعها، ولا تحتاج لذهن يدرك حتى تفعل.
اترك تعليقاً