جذور القومية العربية لعبد العزيز الدوري

مراجعة كتاب الجذور التاريخية للقومية العربية عبد العزيز الدوري (١٩٦٠م)

قدم الدوري تصورًا حول الجذور التاريخية للقومية العربية، بدأ الكتاب، وطرح جملة من القضايا وأجمل الكثير منها، فكثيرًا ما يكون العوز المعرفي مثارًا لفوضى معرفية، فيتحرز الكاتب من ذلك بإجمال كثير من المواضيع التي تستحق التفصيل. أو يخادع نفسه بشيء من التلفيق حتى يبرز نوع انسجام بين نتائج بحثه وبين المعطيات الموضوعية. وهذا ما تعين…

د

مقدمة

قدم الدوري تصورًا حول الجذور التاريخية للقومية العربية، بدأ الكتاب، وطرح جملة من القضايا وأجمل الكثير منها، فكثيرًا ما يكون العوز المعرفي مثارًا لفوضى معرفية، فيتحرز الكاتب من ذلك بإجمال كثير من المواضيع التي تستحق التفصيل. أو يخادع نفسه بشيء من التلفيق حتى يبرز نوع انسجام بين نتائج بحثه وبين المعطيات الموضوعية. وهذا ما تعين وقوعه في كتاب الدوري هنا.

طرح الدوري عن نظرية الشعوب المغلوبة

يطرح الدوري فكرة أن الشعوب المغلوبة في القرن الأول الهجري، لم تكن: “تفرق بين العروبة والإسلام”1 لكن هل يصح اعتبار هذا التقرير مرجعيًا ليفيد في تكوين مفهوم حول وحدة العروبة والإسلام؟ كلا، فالشعوب المغلوبة ليست هي من يقرر هذا التفريق، فأولى حروب المسلمين كانت ضد عرب غير مسلمين أصالة في معارك كبرى خلد التاريخ الإسلامي ذكرها. وإلا فما باعث الحركات التي كانت في القرون الأولى معادية لأي معطى عربي تحت لواء الإسلام كمختلف الحركات الشعوبية إن كانت العروبة والإسلام شيئا واحدًا بصيغة الحصر؟

image 30
الجذور التاريخية للقومية العربية

كما يحاول الدوري أن يعطي تقييمًا لتطور الوعي العربي التاريخي، عبر حركات الترجمة من اليونانية إلى “العربية” والتي وقعت في القرون الأولى، بأنه نقلة نوعية نحو الازدهار العروبي2.

مسألة التعريب

يتوقع أن “تعريب” تلك الفلسفات كان يمثل نقلة نوعية في الوعي العربي. مع أن هذا التعريب، وفقا لابن تيمية، كان تحت إشراف فئات عمدت إلى إدخال مكون أيديولوجي يغذي الحركات السياسية الشعوبية بشكل أو بآخر، وهذا يظهر جليًا في مثل قول سفيان الثوري (١٦١ه‍):

“ما ظهرت البدع والضلالات إلا في أبناء السبايا”

سفيان الثوري (١٦١ه‍)
image 28
نقض عثمان بن سعيد الدارمي

وهذا السياق يتقرر في بعض كلام الدارمي (٢٥٥ه‍) تلميذ ابن الأعرابي (٢٣١ه‍) فهو يضفي على “عربية المفهوم” مركزية دون مجرد عربية اللغة، فالمفهوم غير العربي، لا يضاف إلى دائرة التراث العربي لمجرد كتابته بالعربية. فمقولة “العرب تعرف أمارة ما بين الحي والميت بالحركة” تأخذنا نحو مفهوم أعمق حول تحديد الوعي العربي، فمن يتبنى نسقا عقديًا، وصله عبر توفيد فلسفات يونانية، مناقضة للوعي العربي بكل مكوناته، لا يجعل من ترجمته لها إلى العربية مساهمة في ذلك الوعي، بقدر ما هي محاولة في تحطيمه. ومجرد ترجمة شيء ما إلى العربية، لا يمكن اعتباره ازدهارا إلا إذا رأينا أثره! فما الأثر الحضاري الذي لحق بالعرب، بعد ترجمة هذه المؤلفات؟

image 32
كتاب أٍسطو عند العرب لبدوي عبد الرحمن

تحوير الانقسام، وموقع الجاحظ

ويعبر عن بدايات الثورة العباسية بأنها “انقسامات عربية وأحزاب عربية في سلطان عربي”3 فهذا تقميش لتوسيع دائرة ما أسماه في عنوانه “جذور”، ولو عدنا كيف حللت القيادة الأموية بدايات الدعوة العباسية التي كانت في خرسان ، لوجدنا أبيات نصر بن سيار (١٣١ه‍) واضحةً في تفصيل أيديولوجيا القوم:

“قومٌ يدينون دينًا ما سمعتُ به *** عن الرسولِ ولا جاءتْ به الكتبُ
فمَنْ يكنْ سائلي عن أصلِ دينهمُ *** فإنّ دينَهم أن تُقتلَ العربُ”

أبيات نصر بن سيار آخر ضباط بني أمية في خرسان (١٣١هـ)

فمثل هذا كان انقساما عربيًا؟ وتماشيا مع نهج تجميع الشوارد وتوسيع الجذور كيفما اتفق، تجد الدوري يعتبر الجاحظ (٢٥٥ه‍) من المتصدين لهجمات الشعوبيين على العروبة 4 فلعله يقصد مؤلفات الجاحظ التي من طراز كتابه “مناقب الترك”.

image 29
رسالة مناقب الترك للجاحظ

ولجعل المصادرة أوسع من الحجة، يستأنس الدوري بمقولة للجاحظ أن “العربي هو من تكلم العربية”5 فهذا أقرب من جعل مفهوم (العرب) مرتبطا بشكل حصري بـ (اللغة). فإن تكلم فارسي العربية، صار عربيًا! فكيف لو جعلنا مفهوم (الفُرس) مرتبطًا باللغة؟ وفقا لهذا المنطق سيكون من تكلم الفارسية فارسيًا ولو كان عربي النسب، فهذا أسلوب ذاتي غير موضوعي، والكتاب أقرب لخواطر قومي عروبي في ستينات القرن الماضي.

الهوامش:

  1. الجذور التاريخية للقومية العربية، عبد العزيز الدوري، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى ٢٠٠٨م، ص١٨ ↩︎
  2. الجذور التاريخية للقومية العربية، عبد العزيز الدوري، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى ٢٠٠٨م، ص٢١ ↩︎
  3. الجذور التاريخية للقومية العربية، عبد العزيز الدوري، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى ٢٠٠٨م، ص٢٣ ↩︎
  4. الجذور التاريخية للقومية العربية، عبد العزيز الدوري، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى ٢٠٠٨م، ص٤٠. ↩︎
  5. الجذور التاريخية للقومية العربية، عبد العزيز الدوري، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى ٢٠٠٨م، ص٣٥. ↩︎

للإشتراك في النشرة البريدية

نشرة البريد

أرشح لك:

مدونة للمباحثة والنقد ومراجعة الكتب، أوفر خدمات SEO، وخدمات التدقيق اللغوي والتلخيص والتحرير