كتاب تاريخ العبيد في الخليج لهشام العوضي ممتاز من حيث السرد، إلا أنه قد أغفل شيئا من الإحصائيات التي كانت ملحة في بعض الفصول، مثلًا يذكر هشام أن عدد العبيد في القرن التاسع عشر، قد بلغ في الخليج مليون عبد، لكن لم يوضح كم كان عدد سكان الخليج حينها، فمن مصدر آخر يمكن معرفة أن مجمل سكان الخليج كان حوالي ٣ مليون نسمة، وعليه فقد مثلت نسبة العبيد فيه ما يقارب ٣٠ ٪، أي ١/٣ من عدد السكان، وكذلك الأمر في الدولة السعودية الثانية، التي بلغ عدد العبيد فيها ثلث عدد السكان، أي ٣٠ ٪ من مجموع السكان
“وشكّل الأفارقة ما يقرب من ثلث سكّان الدولة السعودية الثانية في سنة 1870، وكان بعضهم أعتق وحظي بمساواة اجتماعية كاملة” 1

الأمر الذي سينحل باندماج هذه الفئة مع الأحرار بنظر مؤسسات الدولة تدريجيًا إلى مرحلة الملك فيصل، سنة ١٩٦٢م، حيث تم عتق كل من تبقى تحت وطأة العبودية ليساوي بقية الأحرار في الحقوق والواجبات، حيث انخرطت هذه الفئة ضمن الحياة العامة مشاركةً للأحرار في كل المزايا التي تمنحها لهم الدولة بصفتهم مواطنين سعوديين.
“الغالبية من العبيد الذين عاشوا في الخليج هم الذين ولدوا أحرارا ولكنهم اختطفوا من ديارهم وتم جلبهم إلى الجزيرة العربية وبيعهم في أسواق العبيد، ومنهم من جاء حرا إلى الخليج أو الجزيرة العربية سواء للحج أو بحثا عن العمل، وتم اختطافه من قبل سماسرة العبيد وبيع على أنه عبد” 2
يشرح الكتاب في فصل خاص، مع ذكر بعض السير الذاتية لبعض من تم استعبادهم، المصدر الأساسي للعبيد في الخليج، ويخلص إلى أن “سرقة الأحرار” كان مهنة بارزة لدى كثير من سماسرة العبيد، وعليه فإن كثيرًا من الأحرار ممن قطعوا سنوات مشيًا على الأقدام سعيًا إلى الحج، وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف مستعبدين يباعون ويشترون في الأسواق، بل يُرهن بعضهم لتسوية قضية اقتصادية واقعة بين سيد وآخر. وبعضهم يؤتى به حرًا فيستعبد لغرض خدمة السيد في الغوص لأجل اقتصاد اللؤلؤ، وبعضهم يقايض ببند.قية، وبعضهم يعطى في سياق تسوية دَين بين سيدين.

“عثمان بن جركا سنة ١٩٣٨:
ولدت في أديس أبابا في أثيوبيا، وعندما أصبح عُمري 12 سنة، اختطفوني وأخذوني إلى عدن في اليمن. وبعد أربعة أيام أخذوني على متن قارب إلى ميناء ميدي على ساحل البحر الأحمر الذي وصلناه بعد سبعة أيام.
وبعد وصولي إلى ميدي باعني الرجل الذي اختطفني من دياري إلى رجل آخر من ميدي اسمه أمان. وبقيت في خدمة أمان لمدة شهر تقريبا، باعني بعدها إلى شخص يدعى إبراهيم الذي أخذني من ميدي إلى الإحساء على ظهر جمل في رحلة بالبر استغرقت 20 يوما.
وبعد أن بقيت في بيت إبراهيم في الإحساء لمدة سبعة أيام، أرسلني مع بعض ركاب الجمال إلى قطر، التي وصلناها بعد خمسة أيام. وعندما وصلنا إلى قطر، باعني ركاب الجمال، الذين لا أعرف أسماءهم، إلى حمد بن محمد من ليوا.
وقد خدمت حمد لمدة أربع سنوات أخذني بعدها إلى أبو ظبي ورهنني إلى امرأة تدعى مريم بنت محمد. وبقيت في خدمة مريم نحو 3 سنوات. ولأن سيدي حمد لم يستطع أن يفك رهني، أرسلتني مريم إلى دبي مع بدوي اسمه سعيد، باعني إلى خميس بن راشد من دبي. وهناك خدمت سيدي خميس لمدة 4 سنوات” 3
قد أشار الكاتب في غير موضع، أن ممارسة العنصرية التي تمظهرت في بعض الأشعار والعبارات الشعبية ضد العبيد السابقين، قد صارت من الماضي واندثر وجودها في المجتمع بشكل كلي. وهذا خطأ من المؤلف، بل لا يزال شيء من ذلك متداولا في الخطاب الشعبي، خصوصا في العبارة التي تتردد حينما يقع شيء من مواطن سعودي أسمر البشرة وهي قولهم “رحم الله الملك فيصل” دلالة على الاعتراض الذي تنادي به فئة من الشعب ضد تجنيس العبيد الذي قام به الملك فيصل سنة ١٩٦٢م.
اترك تعليقاً