يمكن اعتبار تاريخ العربية السعودية لألكسي فاسيلييف موسوعة شاملة ودقيقة اشتمل على تأريخ لكل من الجوانب المتعلقة بالتقسيم القبلي والاقتصادي والجغرافي والاجتماعي للسعودية منذ القرن السادس عشر، حتى بداية الدولة السعودية الأولى، وصولا إلى مرحلة الملك فيصل وتفصيل التحولات الاقتصادية والقبلية والعشائرية التي حدثت خلال ذلك التطور الزمني، وقد نال حصة الأسد من التحليل والتأريخ في الكتاب؛ مؤسس الدولة السعودية الثالثة: عبد العزيز بن عبد الرحمن بن سعود، الملقب بابن سعود.

ابن سعود

ابن سعود شخصية محورية وحيوية إلى حد كبير، تناوله فاسلييف بالتحليل طيلة أيام حياته المدوّنة تقريبا، منذ عيشه فترة صغره في الكويت إلى جانب مبارك الصباح، مرورا بحروبه ضد الأتراك، إلى تشكل أخوان من طاع الله وصولا إلى إسقاط حكم الأشراف في الحجاز، ومن ثم تفكيك حركة الإخوان بالكلية.

الوثائق والمعاهدات

شرح الكتاب بالتفصيل كل المعاهدات والوثائق والأوراق التي تناولت العلاقة بين بريطانيا والسعودية، منذ أول نشوءها حتى ذوبانها بعد التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط. كما تعرض الكتاب، لأحد أهم التوثيقات التي جرى من خلالها رسم الحدود الجيوسياسية للشرق الأوسط ومنطقة الجزيرة العربية والذي يخالف التصور الشائع في الساحة الإعلامية العربية منذ عهد عبد الناصر إلى اليوم.

والملاحظ أن الكاتب مع سعة اطلاعه، التي جعلت من كتابه أحد المراجع الأساسية التي تتناول كل تاريخ المملكة العربية السعودية، لم يكن يهمل أولوية الوثائق التاريخية التي تتحدث عن واقعة واحدة؛ فلم يكن الكتاب تاريخيا فحسب، بل كان كتاب تاريخ مقارن أيضا في كثير من ثناياه، وهذا ما أكسبه ميزة عن باقي الكتب التي تناولت تاريخ السعودية.

المعاهدات الأنكلوعثمانية

من المعاهدات الأنكلوعثمانية لاقتسام الجزيرة العربية أنه في مارس ١٩١٤م، وافقت بريطانيا والابراطورية العثمانية على اقتسام شبه الجزيرة العربية ونصت شروط المعاهدة على أن تمتد الحدود بين ممتلكات كلتا الدولتين بشكل خط مستقيم من شبه جزيرة قطر عبر بوادي أواسط الجزيرة العربية حتى الحدود بين محمية عدن واليمن. وكان كل ما يقع تحت هذا الخط ملكا للعثمانيين، بما في ذلك نجد فضلا عن الاحساء، وكل ما يقع في جنوبه يعتبر من الأراضي البريطانية.

كان ضمن البنود التي جرى تباحثها بين العثمانيين والبريطانيين بندٌ خاص بـ “لجنة تخطيط الحدود”، وكان جزء كبير من الأراضي التي جرى تباحث تقسيمها بين الباب العالي وبريطانيا أراضي كانت تشملها الدولة السعودية الأولى، وكانت الأحساء جزءا منها، الأمر الذي جعل عبد العزيز بن سعود يسارع في ضمها تحت سلطته ونجح في ذلك، وذلك ما جعل موقف الباب العالي ضعيفا لكونه صار مفاوضا على أراضي لا تقع تحت سلطته، وعليه صار ضروريا على ابن سعود أن يتفاوض بنفسه مع بريطانيا، جرى تباحث المعاهدة في لندن، وكان ضمنها: المستر جراي ممثل بريطانيا وحقي باشا ممثل الدولة العثمانية، إضافة إلى البرنس لكنووسكي سفير ألمانيا في لندن. وكان مما وقع الاتفاق عليه بين الطرفين:

دائرة يحدها خط أحمر على الخريطة الملحقة، ترسم حدود الحكم الذاتي في الكويت. ومنطقة يحدها خط أخصر ترسم الحدود التي تكون تحت سيطرة الأتراك بإدارة من الشيخ مبارك باعتباره قائم مقام عثماني. وقسم ثاني وثالث بضم بنود تخص التخلي العثماني عن قطر والبحرين لصالح بريطانيا.

موقع سايكس بيكو من الاتفاقيات

والطريف أنه أحيانا عندما يتكلم بعض الناس عن معاهدة (سايكس– بيكو) التي قضت باقتسام الأقطار العربية بين بريطانيا وفرنسا، يَفتَرِضُ أنه لو انتصرت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى لن نشهد معادلة مماثلة بالضبط تسمى (حقي باشا–غراي)، وسيكون بموجبها تعيّن تسليم كثير من الأقطار العربية لبريطانيا في مكاتب لندن السياسية. وفعلا، كان المانع الظرفي الذي حال دون تحقق هذا الاقتسام اندلاع الحرب العالمية الأولى.

وفيما يتعلق بسايكس بيكو، عندما نشرت روسيا السوفييتية بعد ثورة أكتوبر المعاهدات القيصرية السرية ومن ضمن ما نشر معاهدة سايكس بيكو بشأن تقسيم الأقطار العربية، سلّم الأتراك إلى الشريف حسين نص هذه المعاهدة فاتصل الحسين بالانجليز طالبا رأيهم في صحة هذه المعاهدة فاستلم منهم (تأكيدات صادقة) بأن هذه المعاهدة مزورة.

صدّق الشريف الإنجليز أو تظاهر بأنه يصدقهم وواصل العمليات الحربية ضد الأتراك، وكان ذلك يعني أن الدماء العربية، تراق في الواقع لأغراض ضد العرب، إلا أن حكومة الحجاز كانت معتمدة كليا على المساعدات العسكرية والمالية والغذائية من الإنجليز.

إخوان من أطاع الله

وفيما يتعلق بإخوان من طاع الله، فعندما بدأت المشاكل تحصل بين عبد العزيز بن سعود وبين قياداتهم التي كان منها فيصل الدويش، وقع مع مطلع ١٩٢٦م اجتماع بين فيصل وابن حثلين وسلطان بن بجاد خرجوا فيه بقائمة مآخذ على عبد العزيز، وهي ما مثّل أسباب الشقاق من وجهة نظرهم بينهم وبينه. من المآخذ:

“سفرة ابنه فيصل إلى لندن سنة ١٩٢٦م، للتفاوض مع الإنجليز، الأمر الذي يعني التعاون مع بلاد الشرك. وحظر المتاجرة مع الكويت، فلو كان سكان الكويت كفارا فإن على عبد العزيز إعلان الجهاد ضدهم، وقبول وضع الحدود بينه وبين العراق التي كانوا يعتبرونها أرض شرك”¹

فاسلييف

بعدما وقعت الانتفاضة الثانية للإخوان وكانت تحت قيادة فيصل الدويش ضد عبد العزيز، وهزموا سنة ١٩٢٩م، ما الذي حصل؟

“هرب فيصل الدويش إلى الكويت، أملا في الحصول على حق اللجوء له ولرجاله، أملًا في أخذ وعد من الإنجليز بعدم قصف مطير، ثم بعث الدويش رسالتين إلى ملك العراق وإلى الكابتن البريطاني غلوب يزعم فيها بأن مطير من رعايا العراق المخلصين” ²

فاسلييف

الساخر في الأمر أن الدويش وابن بجاد وباقي قيادات الإخوان، لم يكونوا مدركين لمدى سذاجة أن ما تراه مأخذًا يسوّغ لك القيام بانتفاضة، قد يتحول بعد سنوات قليلة إلى أعز مطلب لك حتى تبقى أنت ومن معك على قيد الحياة.

أفكار الإخوان

لقد اعتبر إخوان من طاع الله السيارة من بدع المشركين، إن لم تكن من عمل الشيطان، وقد أحرقت أول شاحنة ظهرت في مدينة الحوطة، وكاد سائقها يلقى المصير ذاته، ولم تكن الطائرة أوفر حظا… ولما احتل الإخوان الطائف ومكة اخذوا يهشمون المرايا ويستخدمون أطر الأبواب والنوافذ كوقود للنار، ولكي يميزوا أنفسهم صاروا يرتدون عمامة بيضاء بدل الكوفية العادية، كما اخذوا يحلقون شواربهم ويقصرون لحاهم، ويصبغونها بالحناء أحيانا، وقصروا دشداشتهم حتى صارت تغطي الركبتين بالكاد، ومنع الإخوان الموسيقى أيا كانت، ما عدا طبول الحرب، ولم يشربوا القهوة لأنها لم تكن معروفة في زمن النبي، وكان الإخوان يطلقون نعت المشركين على جميع الذين لا يؤيدونهم من أهالي المدن والواحات والبدو.

المراجع

1. تاريخ العربية السعودية، ألكسي فاسيلييف، ترجمة: دار التقدم موسكو، طبع في الاتحاد السوفييتي، الطبعة الأولى ١٩٨٦م، ص٣٢٨ ↩︎
2. تاريخ العربية السعودية، ألكسي فاسيلييف، ترجمة: دار التقدم موسكو، طبع في الاتحاد السوفييتي، الطبعة الأولى ١٩٨٦م، ص٣٢٨ ↩︎