image 2024 05 23 191946187

مراجعة كتاب معاوية ابن أبي سفيان من الجزيرة العربية إلى الامبراطورية – ستيفن هامفريز

الكتاب من عنوانه يشرح آلية انتقال معاوية من شبه الجزيرة، نحو قيادة مقاطعتين شاميتين مهمتين، إلى قيادة أوسع دولة إسلامية إلى حد عصره، ليس في الكتاب الكثير ليذكر، غير شرحه التفصيلي لسياسة معاوية مع أمراء القبائل الشوام، وآلية حكمه لهم، الذي كان يقوم على مبدأ المستشارية، بدل الإكراه والإخضاع.

د

الكتاب من عنوانه يشرح آلية انتقال معاوية من شبه الجزيرة، نحو قيادة مقاطعتين شاميتين مهمتين، إلى قيادة أوسع دولة إسلامية إلى حد عصره، ليس في الكتاب الكثير ليذكر، غير شرحه التفصيلي لسياسة معاوية مع أمراء القبائل الشوام، وآلية حكمه لهم، الذي كان يقوم على مبدأ المستشارية، بدل الإكراه والإخضاع.

“يمكننا تمييز خلافة هشام، بأنها اللحظة التي تشكلت فيها أخيرا رواية سردية عظيمة لأصول الإسلام والخلافة المبكرة، ومع ذلك، تمزقت هذه النسخة الأموية، وأعيد تركيبها تحت حكم العباسيين الأول” 1

ستيفن هامفريز

بناء التصور من مرويات الخصم

حاول هامفريز تشريح شخصية معاوية لأبعد حد، لكن هنا دوما ما تقع أغلوطة سمجة، سواء معه، أو مع عمرو ابن العاص، وهي بناء الملامح السياسية والشخصية للرجلين، عبر ترسانة روايات كوفية، المنهجية التي تريد إخبارنا أن الاثنين، كانا يعيشان حياتهما السياسية والأسرية شبه المنحصرة في الشام، ولم يقم سند قريب لهما جغرافيا في شرح شيء حولهما.

لكن مراكز البحث والصحافة السياسية كانت تشتغل ليل نهار حولهما في الدوائر الأكاديمية والإعلامية للكوفة، من حيث توثيق الأحداث، والمؤامرات، بل حتى الحوارات الشخصية بين معاوية ووزيرٍ له في القصر. هذا التناقض الساخر كان يساهم في إضعاف كتاب مؤلف لأجل التحليل، لا مجرد سرد الروايات تحت مساحة “سمعت فرويت”، لذلك كان مستفزًا على نحو ما، اقتصار هامفريز على كتاب البلاذري حتى في الأحداث التي لعبت دورًا مركزيًا في تشكيل معاوية الملك.

image 11
صورة لستيفن

تصور مغلوط، لنتائج ذاتية

أما النظرة المسبقة تجاه معاوية، والتي جاء الكتاب ليؤكدها؛ تتمثل في كون السلطان الإسلامي، لم يقدر على تكوين إمبراطورية، أو مملكة موسعة إلى حد مذهل، إلا وفقا لذهنية تتعامل مع الإسلام ككل بصورة هامشية، وتكرار هامفريز لهذا المعنى تجاه معاوية، يوضح نوعية الثغرات في بحثه؛ والتي من أهمها سؤال: هل يمكن لباحث تاريخي اعتبار رأي شيخ عاش في القرون التالية معيارًا دينيًا لتقييم سياسة معاوية وتحديد مدى اهتمامه بالإسلام من دونه؟

كان هامفريز يتعامل مع معاوية على أنه في محكمة فقهية مستقلة تاريخيا؛ تقدم رأيها عند القرن الرابع أو الخامس، أو السادس، في صحابي كان خليفة المسلمين في القرن الأول لعشرين سنة، بخلاف ذهنية تتصف بترتيب الحجج وضبطها؛ من حيث اعتبار الصحابي؛ حاكمًا على من بعده، لا العكس.

الانحياز لأيديولوجيا، يضعف موضوعية البحث

أما التحليل مع الانحياز لفكرة أيديولوجية معينة، فهذا يعكر على نحو ما صفو البحث الحقيقي. وبلغ الاستفزاز أقصاه، مع تسليمه الكامل خلال كل الكتاب بأن المسلم الحقيقي لا يصلح لأن يكون سياسيًا ذو دهاء، مع ذكره في منتصف الكتاب أن القرآن لم يأت فيه كلام كثير عن الحكومة وتفاصيل حالة الحاكم، لكن يستمر في البناء على الدوغما الشيع،ية، في أن المسلم كامل الإسلام، لا بد أن تفشل مشاريعه السياسية.

وتحت هذه المسلّمة كان يفسر كل كلمة دينية أو فعلة، قام بها معاوية، بأنها قد جاءت في إطار الدعاية ولا حقيقة لاعتقاده صدقها. فقط لأنه نجح سياسيًا على نحو بارع. الأمر هنا ليس متعلقا بمعاوية، بل هو متعلق في نظر هامفريز بأهلية المسلم – كامل الإسلام- لأن يكون سياسيًا ناجحًا، كان معاوية يمثل لدى هامفريز مشروعا لبناء سردية توضح أن تقدم الإسلام سياسيًا ضمن الخلافة، لم يكن إلا نمطيًا، بل لم ينجح ذلك إلا بإماطة الإسلام جانبًا بصورة كلية، ليحل محله فن السياسة التي لا يرضاها الدين.

ومع هذا، لا يمكن أن نكثر من لوم هامفريز، فعامل الأدلجة في الكتابة حول معاوية، كان يرجع إلى القرن الثاني، والثالث، وما بعدهما، فتقييم الكتاب يأخذ درجة جيدة إذا جمعناه لغيره من السرديات، حتى المتقدمة منها.

image 2024 05 26 234725429

في ولاية زياد ابن أبيه:

“أصدر مرسوما بأن أي شخص نزل شوارع المدينة ليلا، لأي سبب كان سيواجه الإعدام من دون محاكمة. فجاء بدوي ذات ليلة إلى البصرة ومعه قطيع من الأغنام للبيع، فوجد المنطقة خارج الأسوار منعزلة ومخيفة. دخل الحي السكني، فقبض عليه رئيس الشرطة، وقال: ويل لك، أما علمت بأمر الوالي، هل سمعت النداء؟ فأجابه البدوي: لا والله. لذلك أشفق عليه قائد الشرطة، ولما جاء الصباح، أرسله إلى زياد إلى الذي طلب منه أن يشرح حاله فقال له البدوي ما حصل. ردّ زياد: أظنك والله صادقًا، ولكن لا يمكنني أن أجعل وعودي وتهديداتي تبدو كأنها كذبة، فأمر به فضربت عنقه” 2

المراجع

  1. معاوية بن أبي سفيان من الجزيرة العربية إلى الإمبراطورية، ستيفن هامفريز، ترجمه عن الإنكليزية: هشام شامية، المركز الأكاديمي للأبحاث، بيروت، ٢٠٢٢، ص٣٦ ↩︎
  2. معاوية بن أبي سفيان من الجزيرة العربية إلى الإمبراطورية، ستيفن هامفريز، ترجمه عن الإنكليزية: هشام شامية، المركز الأكاديمي للأبحاث، بيروت، ٢٠٢٢، ص١٣٤ ↩︎

للإشتراك في النشرة البريدية

نشرة البريد

أرشح لك:

مدونة للمباحثة والنقد ومراجعة الكتب، أوفر خدمات SEO، وخدمات التدقيق اللغوي والتلخيص والتحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *